التعليم الجامعي لابناء القطاع في الاردن مجرد حلم لشباب بدون رقم وطنيتاريخ النشر: 22- 7- 2010
عين نيوز- رصد- محمد شما
في الوقت الذي تعلن فيه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين عن “تراجع نسب التعليم بين صفوف الشباب”، تمنع الحكومة الاردنية الغزيين ممن لا يملكون ارقاما وطنية من مزاولة جملة مهن. وتظهر في مدارس مخيم جرش او غزة ما يعرف بـ”الصفوف الطيارة” كحل لاكتظاظ الطلاب.
هذا التقرير استند على زيارة ميدانية لمخيم “غزة” او “جرش” رسميا، والذي يضم قرابة عشرين الف نسمة من الغزيين الذين يحملون الجواز المؤقت، في المنطقة المحاذية لمدينة جرش. نتوقف في هذا التقرير على الواقع التعليمي للشباب وفرصهم في التعليم الجامعي.
صف طيار
قتيبة، طالب في الصف العاشر، يميل الى ان يتوقف عن الدوام في مدرسته داخل المخيم، فهو كما يوضح لنا يتلقى تعليمه في احد “الصفوف الطيارة”، كما يطلقون عليها. ويعرّف مكتب تنمية المجتمع المحلي “الصف الطيار” بانه تجمع طلاب في باحة المدرسة نتيجة عدم توفر غرف صفية لعدد من الطلاب حيث يتنقل الطلاب من صف الى آخر او الى الساحة او احدى الغرف الفارغة لاخذ الحصة الدراسية، هذا بالاضافة الى فقر المرافق الاخرى في المدرسة سواء الصحية او التثقيفية.
يقول قتيبة ان ادراكه للدروس متدن، “لا استطيع الفهم”. ويلقي السبب على واقع صفه الدراسي الذي يحولهم الى اعداد تتلقى تعليما غير نوعي وحسب. ويؤكد ان باقي صفه يشابهونه في هذا الحال.
حلم مزاولة المهنة
لا تبدو الصورة قاتمة لدى الشاب مروان الكردي، 20 عاما، فرغم انه يدرس حاليا تخصص “الهندسة المدنية” في جامعة آل البيت، يدرك ان فرصته في سوق العمل الاردني “غير متاحة” لعدم امتلاكه الرقم الوطني، لكنه يعلق املاً على “نقابة المهندسين الاردنيين” التي “تضم خريجي الهندسة ممن لا يحملون الرقم الوطني بسجلاتها، ما يتيح لي التدريب، وكل شركة لها الخيار في ان اعمل لديها ام لا، ومعنى هذا ان فرصتي كبيرة”.
نقابة الصيادلة تعتبر ان مزاولة المهنة امر متعلق بوزارة الصحة، فهي من تمنح شهادة مزاولة المهنة لخريجي الصيدلة من قسم مؤسسة المهن. والشابة نور ابو سرحان درست الصيدلة في جامعة فيلادلفيا، ولم تكن تعرف ان عدم حصولها على مزاولة المهنة سيقعدها في البيت.
مروان واصدقاء له داخل مخيم غزة، يحصلون على فرصهم في التعليم الجامعي، اما بمقاعد محددة مخصصة لابناء المخيمات بالتنافس او عن طريق مقاعد مخصصة للسفارة ال
ة، وغير ذلك لا يستطيع الواحد منهم اكمال تعليمه الجامعي الا على نفقته الخاصة والغالبية لا تقوى على التكاليف المالية الباهظة.
دراسة اجراها مكتب تنمية المجتمع المحلي التابع لمخيم جرش، في حزيران 2009، اشارت الى ان تدني نسب التعليم بين صفوف الشباب تعود الى “معاملة الطالب من مخيم غزة كطالب اجنبي من حيث الرسوم، باستثناء الذين يحصلون على مقاعد عن طريق مكرمة المخيمات او السفارة ال
ة، ولكن تبقى نسبتهم قليلة”.
تاسس مكتب تنمية المجتمع المحلي في ايلول 2007 كجزء من مشروع دعم لاجئي غزة في مخيم غزة بتمويل من الاتحاد الاوروبي. يعتبر مؤسسة تطوعية مجتمعية تتبنى نهج المشاركة من اجل التنمية. ويركز على بناء قدرات الافراد في المخيم وتفعيل دور الشباب.
ويرى مروان نفسه محظوظا فيما لو قارن حاله بالشاب فائق غيث، 36 عاما، الذي استذكر في لقائنا مع مجموعة من شباب المخيم، ما كان يحلم به: “دراسة طب الاسنان في احدى جامعات الهند”، كانت فرصة لكن الظروف المادية فرضت عليه البقاء داخل المخيم. يقول: “بقيت دراسة طب الاسنان حلما يراودني”، ويذّكر زملاءه الذي يصغرونه في العمل التطوعي داخل المخيم، بانه حالياً يعمل مساعدا لطبيب الاسنان في عيادة الوكالة.
في ايار العام 2007 اجرت وكالة الغوث مسحاً شاملاً لجميع الاسر في مخيم غزة، بتمويل من الاتحاد الاوروبي. اوضحت فيه ان نسبة الامية بين السكان، 15 عاما فما فوق، مرتفعة في مخيم غزة (13.8%) مقارنة بنسبة الامية في الاردن (7.5%). بينما تعتبر نسبة الذين يتابعون دراستهم بعد انهاء المرحلة الثانوية قليلة، 13.2% مقارنة بنسبة 22% من مجموع السكان في الاردن.
تتضمن هذه النسبة (13.2%) من يكملون دراستهم في المجال المهني وكليات مجتمع (دبلوم) والجامعات (بكالوريوس وماجستير ودكتوراه) حيث بلغت نسبة الذين يحصلون على درجة البكالوريوس 6.5% بينما تنخفض النسبة الى 0.3% للذين يحصلون على درجة الماجستير و0.1% للحاصلين على درجة الدكتوراه.
كما تعتبر نسبة عدم الالتحاق بالمدارس “كبيرة” للاطفال بين 6-18 عام حيث تبلغ 9.1%. وتعزو الدراسة ذلك الى “النسبة العالية للفقر، والافتقار الى القدرة المالية لاتمام الدراسة ومواكبة طلاب المملكة والحاجة الى العمل بالاضافة الى ضعف التحصيل العلمي لدى الطلاب”.
انتظار المكرمة
محمود رياض 19 عاما ينتظر ان يحوز على مقعد جامعي ضمن المكرمة الملكية المخصصة لابناء المخيمات، ليكمل تعليمه الجامعي ويدرس تخصص التمريض. ولكنه لا يخفي خوفه من ان لا يحوز على المقعد، مستمدا المساندة من اصدقائه الذين يدعمونه نفسياً.
وتُخصص المكرمة الملكية لابناء المخيمات نسبة 5% من المقاعد الجامعية (درجة البكالوريوس) بحيث توزع حسب الكثافة السكانية في كل مخيم، “علماً بان قاطني معظم المخيمات الاخرى يحملون الجنسية الاردنية وبالتالي لديهم فرصة الحصول على مقاعد جامعية كاردنيين” حسب دراسة مكتب التنمية المجتمع.
منال شريتح، 25 عاما، كانت محظوظة عندما استطاعت باصرارها ان تدرس “الرياضيات” في جامعة آل البيت. فيما اضاعت قبل ذلك سنة كاملة بعد ان سُحبت منها منحة المكرمة لتاخرها في اصدار وثيقة سفر كانت شرطا في تقديم الطلب والقبول.
تنظر منال بعين الاسى لشقيقها محمود الذي درس طب اسنان 8 سنوات، ثم اصطدم بعدها بحاجز “ممنوع مزاولة المهنة” ما حدا به الى العمل في صيانة الكمبيوترات في دولة الامارات العربية المتحدة، تاركا شهادته الجامعية في خزانته .
وتعدد الدراسة جملة مهن لا يستطيع ابناء غزة مزاولتها منها: العمل في القطاع العام، طب الاسنان، المحاماة، الهندسة الزراعية، المحاسبة القانونية، الصيدلة والقطاع السياحي.
“كان الحديث عن التعليم ليس حقا انما حلما ليس واقعيا. حقاً انه لشيء محزن”، يقول مدير خدمات مخيم جرش، شريف الفاعوري، في حديثه عن واقع الشباب وفرصهم في التعليم الجامعي.
ويعزو الفاعوري سبب ارتفاع معدلات البطالة داخل المخيم الى الواقع السيئ الذي يعاني الشاب، من قلة فرص التعليم والاتجاه نحو الاعمال الحرفية.
السفارة: نتعامل مع المخيمات بانصاف
دراسة مكتب تنمية المجتمع المحلي انتقدت آلية توزيع المقاعد المتوفرة للسفارة ال
ة (350 مقعد) الموزعة على ال
ين، حيث تعطي السفارة الاولوية لل
ين في الداخل، ولكن الوضع القانوني لابناء قطاع غزة في الاردن ليس واضحا في حسابات السفارة عند وضع الاولويات وتوزيع المقاعد. بينما دافعت السفارة في عمان عن ذلك في بيان لها سبق وان نشرته وسائل الاعلام بان “كل حالة تتم دراستها على حدة ونتعامل مع طلاب المخيمات بانصاف”.
ويبلغ عدد سكان مخيم جرش المعروف بمخيم غزة حوالي 20.000 نسمة، يعيشون على مساحة 750 الف متر مربع، ويضم 2200 وحدة سكنية، اسس منذ العام 1968.
يتجمهر بعض شباب المخيم على مدخل مخيمهم، وكانهم يقفون امام خيارين لا ثالث لهما؛ الدراسة والعمل في مهن حرفية، او العمل مباشرة في تلك المهن دون صرف الوقت في الدراسة.{عن صحيفة الحدث}.